بصائر في نوازل – فيروس كورونا

. . ليست هناك تعليقات:


الأمور بقدر:

روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا عدوى ولا طِيرة، ولا هامةَ ولا صَفر، وفِـرَّ من المجذوم كما تفرُّ من الأسد».
(لا عدوى): وهي انتقال المرض من المريض إلى غيره.
والمعنى: أنها لا تؤثر بطبعها، وإنما يحدث هذا بقدر الله وتقديره.
(ولا طيرة): وهي التشاؤم، وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا لحاجة لهم من سفر أو تجارة فإذا شاهدوا الطير يطير عن يمينهم استبشروا به، وإذا طار عن يسارهم تشاءموا به ورجعوا.
(ولا هامة): هي الرأس واسم لطائر يطير بالليل كانوا يتشاءمون به. وقيل كانوا يزعمون أن روح القتيل إذا لم يؤخذ بثأره صارت طائرا يقول اسقوني اسقوني حتى يثأر له فيطير.
(ولا صفر): و هو الشهر المعروف كانوا يتشاءمون بدخوله فنهى الإسلام عن ذلك.
(وفر من المجذوم): وهو المصاب بمرض الجذام، وهو مرض تتآكل منه أعضاء الإنسان، يعني: ابتعد عنه محتاطًا لنفسك طالبًا لها السلامة كما تفر من الأسد، وفي النهي عن القرب من المجذوم؛ ليظهر لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها.
والمراد أن العدوى لا تنتقل بنفسها بين الناس وغيرهم -كما كان يعتقد أهل الجاهلية- ، وإنما هي بتقدير الله ومشيئته، فلا تتعرضوا لما يؤدي إلى انتقالها من الأسباب.

ضرورة الأخذ بأسباب الوقاية المادية:

في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسَرْغ (قرية في طريق الشام مما يلي الحجاز) لَقِيه أهلُ الأجناد (أبو عبيدة بن الجرَّاح وأصحابه)، فأخبروه أن الوباءَ (المرض العام وهو الطاعون) قد وقَع بالشام.
قال ابن عباس: فقال عمر: ادعُ لي المهاجرين الأوَّلين فدعوتُهم، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا؛ فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمر ولا نرى أن تَرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقيَّة الناس (أي بقية الصحابة وسماهم الناس تعظيما لهم) وأصحاب رسول الله ﷺ ، ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني (قوموا واذهبوا عني).
 ثم قال: ادعُ لي الأنصار، فدعوتهم له، فاستشارهم فسلكوا سبيلَ المهاجرين (مشوا على طريقتهم فيما قالوه)، واختلفوا كاختلافهم، فقال: عني.
 ثم قال: ادع إليَّ مَن كان ها هنا من مشيخة قريش (شيوخهم أي كبارهم في السن) من مُهاجِرة الفتح (الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح)، فدعوتهم فلم يختلف عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تُقدِمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مُصْبِحٌ على ظَهْر (مسافر في الصباح)، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قَدَر الله، فقال عمر: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة - وكان عمر يكره خلافه - نعم، نَفِر من قَدَر الله إلى قدر الله، أرأيتَ لو كانت لك إبل فهبطت (نزلت) واديًا له عُدْوتان (طرفان والعدوة طرف الوادي المرتفع منه )، إحداهما: خِصْبة (ذات عشب كثير )، والأخرى: جَدْبة (قليلة العشب والمرعى)، أليس إن رعيتَ الخِصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله"، قال: فجاء عبدالرحمن بن عوف وكان متغيِّبًا في بعض حاجته، فقال: إن عندي من هذا عِلْمًا، سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: ((إذا سمعتُم به بأرض، فلا تَقدَموا عليه، وإذا وقَع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه، قال: فحمد اللهَ عمرُ بن الخطاب (على موافقة اجتهاده واجتهاد كثير من الصحابة لحديث رسول الله ﷺ)، ثم انصرف".
قال شيخ الاسلام ابن تيمية:
الالتفات إلى الأسباب، واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك في التوحيد.
ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.
والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع.
وقال ابن القيم: فلا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى، وإن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، وإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولا بد من هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ولا توكله عجزاً.

كيف تُستجلب البركات ، وتُستدفع الكربات ، وتُستنزل الرحمات ؟

(أسباب الوقاية المعنوية)
ليس بالكمامات والكحول فقط تُستدفع الكربات !
خمسٌ تُستجلب بها البركات ، وتُستدفع بها الكربات ، وتُستنزل بها الرحمات :

أولها: لزوم باب الدعاء:

قال تعالى ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وقال: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 89-90].

ثانيها: التقرب إلي الله بالصلاة:

عن حذيفة قال: كانَ النَّبيُّ ﷺ إذا حزبَهُ -أي أحزنه- أمرٌ صلَّى.
وجاء عن علقمة أنه قال: "إذا فزعتم من أفق من آفاق السماء؛ فافزعوا إلى الصَّلاة"( مصنف ابن أبي شيبة).

ثالثها: تلاوة القرآن الكريم :

قال تعالى ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82] .

رابعها: قراءة كتب السُّنة المطهرة:

وفي مقدمتها صحيح البخاري؛ قال الإمام ابن أبي جمرة - أحد شرَّاح صحيح البخاري -: قال لي مَن لقيتُ مِن العارفين عمَّن لقيه من السادة المُقَرِّ لهم بالفضل : أنَّ " صحيح البخاري" ما قُرئ في شدَّةٍ إلا فُرجت، ولا رُكب به في مركبٍ إلا نجت، وكان البخاري مجابَ الدعوة وقد دعا لقارئه.
وقال الحافظ ابن كثير: كتاب البخاري الصحيح يُستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام .

خامسها: كثرة الصلاة على النبي ﷺ :

عن أُبي بن كعب،كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا ذهب ثُلُثَا الليلِ قام فقال: يا أيُّها الناسُ اذكُروا اللهَ اذكروا اللهَ جاءتِ الراجفةُ تَتْبَعُها الرادِفَةُ جاء الموتُ بما فيه جاء الموتُ بما فيه.
قال أُبَيٌّ: قلْتُ: يا رسولَ اللهِ إِنَّي أُكْثِرُ الصلاةَ عليْكَ فكم أجعَلُ لكَ من صلاتِي؟
فقال: ما شِئْتَ. قال: قلتُ :الربعَ ؟ قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ.
قلتُ: النصفَ؟ قال: ما شئتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ.
قال: قلْتُ: فالثلثينِ ؟ قال: ما شئْتَ فإِنْ زدتَّ فهو خيرٌ لكَ.
قلتُ: أجعلُ لكَ صلاتي كلَّها قال : إذًا تُكْفَى همَّكَ ويغفرْ لكَ ذنبُكَ. (سنن الترمذي).

ليست هناك تعليقات:

بحث في الموقع :

تابعنا :


الأسئلة:

قناة التلجرام

مشاركة مميزة

معاشر المحبين، الحب دين!

اقرأ المقال على شبكة الألوكة   لا نجد في قاموس البشرية كلمةً أجمَعَ الناس عليها غير هذه الكلمة   (الحب)؛ فهي كلمة تشتاق لها القلوب، ...

المشاركات الشائعة

منصة بصيرة للتعليم الشرعي المفتوح