الإلحاد في مصر

. . هناك تعليق واحد:


يتعيَّن دائمًا على الباحث في أيِّ ظاهرة من الظواهر الإنسانيَّة أن يبتعد عن (التهويل) و(التهوين) في بَحثه وعَرضه للظواهر الإنسانيَّة، وقد سبق لمرصد الفتاوى التكفيريَّة التابع لدار الإفتاء المصريَّة إصدارُ تقرير في نهاية العام الميلادي المنصرم 2014 يرصد فيه أسبابَ تزايد ظاهرة الإلحاد بين الشباب في الدُّول الإسلامية، لا سيما الدول التي تمرُّ بمتغيرات سياسيَّة واجتماعية كبيرة، وأشار إلى أنَّ مصر هي الدَّولة الأعلى عربيًّا في الإلحاد بـ 866 ملحدًا!

وعند الحديث عن الإلحاد في مصر وهي دولة من أكبر الدُّول العربية والإسلامية، بل وهي بلد الأزهر الشريف - الذي يعدُّ من أقدم الجامعات الإسلامية في العالم - فهو أمر غريب! بل وعجيب لا تقبله القلوبُ قبل العقول!

وبعيدًا عن الإحصائيَّات التي سبق وأن تداولَتها وسائل الإعلام المختلِفة نقلاً عن بعض المعاهِد والمراكز مثل: مركز تحالف الإلحاد الدولي، ومعهد غالوب الدولي (WIN - Gallup International) مرورًا بما رسمَته صحيفة (الواشنطن بوست) عن خارطة الإلحاد في العالم؛ لأنَّ هذه الإحصائيَّات لم تَسلم من النقد والأخذ والردِّ، ورغم (قلَّة) عدد الملحدين - في مصر - إلاَّ أنَّ الإلحاد بدأ يَظهر ويطفو على السَّاحة المصريَّة عبر الشبكة العنكبوتيَّة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل وفي بعض المبادرات الفكريَّة والشبابيَّة! الأمر الذي استرعى الانتباه نحوه باعتباره (ظاهرة) لن نفرط في المبالَغة في حجمها، ولكنَّنا أيضًا لن نتجاهل خطورتَها على سلامة مجتمعنا وإيماننا.

فلقد صارت هذه الظاهرة مقلِقة - بحقٍّ - لا سيما في الأوساط الشبابية، ويَعرف ذلك كلُّ من له اطلاع وممارَسة في العمل الثَّقافي والفِكري والتنموي، ورغم أنَّ الإلحاد بمدارسه وتيَّارته لا يعدُّ أمرًا غريبًا فقط على مصر الإسلاميَّة، ولكنه غريب حتى على النَّفس الإنسانيَّة! فلم يُعرف إنسانٌ - مهما كان جنسه أو عِرقه - إلاَّ وهو متعبدٌ ومتدين بدينٍ أيًّا كان هذا الدِّين، يَشهد لذلك قولُ المؤرِّخ الإغريقي بلوتارك: لقد وجدتُ في التاريخ مدنًا بلا حصون، ومدنًا بلا قصور، ومدنًا بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدًا مدن بلا معابد!

ونحن سنحاول في هذا الصَّدد أن نلقي الضوءَ على (بعض) أسباب ظهور الإلحاد في مصر، وهي أسباب؛ منها السياسيَّة ومنها الاجتماعيَّة ومنها النفسيَّة، على أن نُرجئ الحديثَ عن سبل مواجهة هذه الموجات في موضع آخر بمشيئة الله تعالى.

من أسباب ظهور الإلحاد في مصر:

(1) أسباب سياسيَّة للإلحاد:

شهدَت مصر خلال السنوات الأخيرة مجموعةً من المتغيرات السياسيَّة والاجتماعيَّة، وانتقلَت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير... من حالة النقيض إلى حالة النقيض!
ولا نقصد بهذا الخروج من حالة الإيمان إلى الكُفر، ولكننا نقصد الخروج من ظلمات الاستبداد إلى آفاق الحريَّة! والتي وصلَت في فترة من الفترات إلى حريَّة مطلَقة ورغبة في الثَّورة على الثوابت أيًّا كانت هذه الثوابت، وفي مقدِّمتها يأتي الدِّين! وقد ذكر بعض الباحثين أنَّ هذه الموجات الإلحاديَّة تجتاح المجتمعات في الفترات التي تعقب الثورات، ودلَّل على ذلك ببعض الحوادث التي حدثَت بعدالثورة الفرنسيَّة والثورة البلشفية.

ثمَّ ساهمَت المتغيرات السياسيَّة التي حدثَت في مصر على تزكية نيران شيطنة الإسلاميِّين، ووصفهم بالتطرُّف والإرهاب، ونحن بطبيعة الحال لا نزعم أنَّ الإسلاميين قومٌ معصومون من الخطأ، ولكنَّهم بشَر يصيبون ويخطئون، فضلاً عن بعض التضييقات التي يتعرَّض لها الدُّعاة، الأمر الذي أدَّى إلى (تجفيف) المنابع الدعويَّة؛ حيث إنَّ الدَّعوة الإسلاميَّة تعتمد بشكل كبير في مصر على جهود كثيرٍ من الدعاة المتطوعين، ممَّا أدَّى إلى إحداث (فراغ) كبير في الساحة الدعويَّة تاركة تيَّارات التغريب والإلحاد تعمل في الساحة الفِكرية دون أن تجد من يتصدَّى لها.

(2) الانصراف عن الدُّعاة وتحطيم القدوات الكبار:

أدَّى انقسام المشهد المصري إلى فريقين: مع أو ضد! والوصول إلى حدِّ ما يُعرف بالصِّراع الصِّفري! ولا تُحسم مثل هذا النوع من الصراعات إلاَّ بالقضاء على الطَّرف الآخر! وتبعًا لذلك انقسم الناسُ نحو العلماء والدعاة؛ وفقًا لتأييد العالم أو الدَّاعية لموقفه من الأحداث! ممَّا أدَّى إلى الإعراض عن السماع أو التعلُّم من الدُّعاة إلى الله.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ثلاث يهدمنَ الدِّين: زلَّة عالِم، وجدال منافق بالقرآن،  وأئمة مضلون".

وقال سفيان بن عيينة: تعوَّذوا بالله من فِتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر؛ فإنَّ فتنتهما فتنة لكلِّ مفتون.

وأدَّى هذان السببان إلى انصراف الناس عن بعض الدُّعاة، أو صُرف بعض الدعاة عن الناس!

(3) التعالم الكاذب!

العلاقة بين الدِّين والعلم تختلف باختلاف الدِّين! فالعلاقة بين الإسلام والعِلم علاقة طرديَّة، كلَّما ازداد الإنسان علمًا ازداد إيمانًا بالله، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وعدَّ العلماء النظرَ في آيات الله في خَلق الكون سببًا لزيادة الإيمان بل سببًا في وجوده! وسموا هذا الأمر بـ (دلالة الآفاق)، قال الله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].

بينما العلاقة بين الكنيسة الغربية والعِلم علاقة عكسيَّة! فلقد شهدَت أوروبا صراعًا مريرًا دمويًّا بين الكنيسة والعلماء، ولم يتوقَّف هذا الصراع إلاَّ عند بداية النهضة العلميَّة والثورة العلمية الأوربية، والانقلاب على الكنيسة!

وقد استوردَت تيارات التغريب (داءَ) الصراع بين العِلم والكنيسة وعمَّمتها على كلِّ الأديان! ثمَّ استوردَت (الدواء) الشَّافي من هذا الصراع ونقلَته إلى المجتمعات الإسلامية؛ فلقد استوردوا لنا الداءَ والدواء!

يقول أرنست رينان Renan في تاريخ الأديان: "إنَّ من الممكن أن يضمحلَّ كلُّ شيء نحبُّه، وأن تبطل حريَّة استعمال العقل والعلم والصناعة، ولكن يستحيل أن يَنمحي التديُّن، بل سيبقى حجَّة ناطقة على بطلان المذهب المادِّي، الذي يريد أن يحصر الفكرَ الإنساني في المضايق الدنيئة للحياة الأرضيَّة"[1].

ومن المفيد الرجوع إلى كتاب (الله يتجلَّى في عصر العلم)، والذي قام بتأليفه نُخبة من العلماء الأمريكيين...، وفي فصل (الأدلَّة الطبيعيَّة على وجود الله)، والذي كتبه (بول كلارنس ابرسولد) قال: "قال الفيلسوف الإنجليزي فرانسس بيكون منذ أكثر من ثلاثة قرون: إنَّ قليلاً من الفلسفة يقرِّب الإنسان من الإلحاد، أمَّا التعمُّق في الفلسفة فيرده إلى الدِّين! ولقد كان (بيكون) على صواب فيما ذهب إليه فلقد احتارَ الملايين من الباحثين والمفكِّرين منذ وجود الإنسان على سطح الأرض في كنه العبقريَّة والتدبُّر الذي يتجلَّى في الإنسان وفي هذا الوجود وتساءلوا عمَّا عساه أن يكون وراء هذه الحياة، وسوف تتكرَّر هذه الأسئلة ما بقي الإنسان على سَطح الأرض، وبسبب عمق هذه الأسئلة وروحانيَّتها البالغة فإنَّنا سوف نحاول أن نمسَّها في تواضع دون أن ننتظر إجابةً شافية عنها"[2].

(4) نشر الشبهات الفكريَّة والمعرفية:

لعلَّ البوابة الكبرى للإلحاد الآن هي انتشار الشُّبهات والتصوُّرات الباطلة عن الدِّين عبر بعض القَنوات الفضائيَّة وبعض صَفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر المواقع الإلكترونية؛ الأمر الذي أدَّى إلى مروق البعض من الدِّين بسبب مثل هذه الشبهات، وما تمكنَت هذه الشبهاتُ إلاَّ بسبب جهل أصحابها وقِلَّة عِلمهم ودينهم، ولو كلَّف أحدُهم نفسَه بسؤال أهل العلم والبحث لاهتدى.

قال الشهيد سيد قطب: "وليس في إسلامنا ما نَخجل منه، وما نضطر للدِّفاع عنه، وليس فيه ما نتدسَّس به للناس تدسسًا، أو ما نتلَعثم في الجهر به على حقيقته، إنَّ الهزيمة الروحيَّة أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهليَّة هنا وهناك هي التي تِجعل بعض الناس - المسلمين - يتلمَّس للإسلام موافقات جزئيَّة من النظم البشريَّة، أو يتلمَّس من أعمال "الحضارة" الجاهليَّة ما يسند به أعمال الإسلام وقضاءه في بعض الأمور، إنَّه إذا كان هناك من يحتاج للدِّفاع والتبرير والاعتذار فليس هو الذي يقدِّم الإسلامَ للناس، وإنَّما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهليَّة المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائص والعيوب، ويريد أن يتلمَّس المبررات للجاهليَّة، وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلامَ ويُلجِئون بعضَ محبِّيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدِّفاع عنه، كأنَّه متَّهم مضطر للدِّفاع عن نفسه في قفص الاتهام!"[3].

وليس لهذه الشبهات من علاجٍ سوى العِلم النَّافع الصحيح المجرَّد عن الأهواء والأوهام، وقد قال الإمام ابن قيم الجوزية: "فمتى باشر القلبُ حقيقةَ العلم لم تؤثِّر تلك الشبهة فيه بل يقوى عِلمُه ويقينُه بردِّها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقةَ العلم بالحقِّ قلبُه قدحَت فيه الشك بأول وَهلة، فإن تدارَكها وإلاَّ تتابعَت على قلبه أمثالُها حتى يصير شاكًّا مرتابًا، والقلب يتوارده جيشان من البَاطل جيش شهوات الغَي وجيش شُبهات الباطل، فأيُّما قلب صغا إليها وركنَ إليها تشرَّبها وامتلَأ بها فينضح لسانُه وجوارحه بموجبها، فإن أُشرِب شبهات الباطل تفجَّرَت على لسانه الشكوكُ والشبهات والإيرادات، فيظنُّ الجاهل أنَّ ذلك لسعَة عِلمه، وإنَّما ذلك من عدم عِلمه ويقينه، وقال لي شيخ الإسلام رضى الله عنه: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثلَ السفنجة فيتشرَّبها، فلا ينضح إلاَّ بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمرُّ الشُّبهات بظاهرها ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابتِه، وإلاَّ فإذا أَشربتَ قلبَك كلَّ شبهة تمر عليها صار مقرًّا للشبهات"[4].

(5) تردي الأوضاع الاقتصادية:

انتشرَت في الآونة الأخيرة حوادث الانتحار بشكلٍ كبير بسبب الفَقر والأعباء الماليَّة، والتي يصل أصحابها إلى قرار بإنهاء حياتهم! ليتخلَّصوا من البؤس والمعاناة التي يعيشونها، ولا شك أنَّ الانتحار كبيرة من الكبائر غير أنَّ صاحبها لا يَكفر في معتقد أهل السنَّة والجماعة، ولكن - للأسف الشديد - هناك من تَدفعه مثلُ هذه الظروف إلى السخطِ على ربه - تعالى الله عمَّا يقولون - والكفرِ بالله تعالى! وقد رُوي أنَّ النبيَّ الله ﷺ  قال: ((كاد الفقرُ أن يكُون كُفرًا، وكاد الحسدُ أن يَسبق القدَر))[5].

وقال العينيُّ في عمدة القاري: "وذلك لأنَّ الفقر ربَّما يحمل صاحبَه على مباشرة ما لا يليق بأهل الدِّين والمروءة، ويهجم على أيِّ حرامٍ كان ولا يبالي، وربَّما يحمله على التلفُّظ بكلمات تؤدِّيه إلى الكفر".

ولذلك كان النبيُّ ﷺ  يقرن في الاستعاذة من الكفر بالاستعاذة من الفقر، فكان ﷺ  يدعو قائلاً: ((اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الكُفر والفقر))[6]، قال المناوي: وقَرَن الفقر بالكفر لأنَّه قد يجرُّ إليه.

ولو تأمَّل الإنسان في حياته جيدًا لوجد الخيرَ فيما قدَّره الله تعالى، عن العباس بن عبدالمطلب، أنَّه سمع رسولَ الله ﷺ ، يقول: ((ذاق طعمَ الإيمان من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّدٍ رسُولاً))[7].

وكان النبيُّ ﷺ  يدعو قائلاً: ((اللهمَّ ارزُقني حُبَّك وحُبَّ من ينفعُني حُبُّه عندك، اللهمَّ ما رزقتني ممَّا أُحبُّ فاجعله قُوَّةً لي فيما تُحبُّ، اللهمَّ وما زوَيت عنِّي ممَّا أُحبُّ فاجعله فراغًا لي فيما تُحبُّ))[8].

(6) الأمراض القلبية:

إذا كنَّا قد وجدنا (صحوة) فِكريَّة لدى قطاعات كبيرة من الشباب، ووجدنا منهم اهتمامًا بجوانب الفِكر والمعرفة، إلاَّ أنَّه أحيانًا تكون هذه المعرفة (جافَّة) خاوية من رُوح العلم وسَكينته، فتجد الغُرور والهوى وشهوة الشُّهرة والرئاسة وحب المخالفة تتسلَّل إلى نفوس هؤلاء فتدفعهم دفعًا إلى ما لا يُحمد عقباه.

وقد قال الفاروقُ عمر بن الخطاب: "تعلموا العلمَ وتعلموا للعلم السَّكينة والحِلم، وتواضعوا لمن تتعلَّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم عِلمكم بجهلكم".

ولنا في عبدالله القصيمي (1907 - 1996م) عبرة في ذلك! هذا الرجل الذي انقلبَ من ناصر للسلفيَّة إلى ناصرٍ للكفر والإلحاد! القصيمي الذي كتب كتبًا في الدِّفاع عن الإسلام وعن عقيدة السلَف، فكَتب: "البروق النجديَّة في اكتساح الظلمات الدجوية" ردًّا على مقالة للشيخ يوسف الدجوي "التوسل وجهالة الوهابيين" المنشورة في مجلة "نور الإسلام" عام 1931م، وكتب "الصراع بين الإسلام والوثنية" وغيرها من الكتابات، التي ينقل منها بعضُ العلماء الآن ثمَّ يقول: وهذا من باب أنَّ الله ينصر دينَه بالرجل الفاجر!

ثمَّ انقلب القصيمي بعد ذلك كافرًا ملحِدًا يَطعن في الذَّات الإلهيَّة!

كتب ذاتَ مرَّة يثني على نفسه:
ولو أنَّ ما عندي من العِلم والفضلِ            يقسَّم في الآفاق أَغنى عن الرُّسْلِ!
وبعد إلحاده كتب في الغلاف الخارجي لكتابه "هذه هي الأغلال" عبارة: "سيقول مؤرِّخو الفكر: إنَّه بهذا الكتاب بدأَت الأمم العربيَّة تبصر طريقَ العقل!".

وقد ذهب كثيرٌ من العلماء إلى أنَّ سبب كُفر القصيمي هو غروره واعتداده بنفسه.

عن حذيفة، أنَّه قَدِم من عند عمر قال: لمَّا جلسنا إليه أمس سأل أصحاب محمدٍ ﷺ : أيُّكم سمع قولَ رسول الله ﷺ  في الفتن؟ فقالوا: نحن سمعناه، قال: لعلَّكم تعنون فِتنة الرجل في أهلِه وماله؟ قالوا: أجَل، قال: لستُ عن تلك أسأل، تِلك يكفِّرها الصلاةُ، والصيامُ، والصدَقةُ، ولكن أيُّكم سَمِع قولَ رسول الله ﷺ  في الفتن التي تموج موج البحر؟ قال: فأسكت القوم، وظننتُ أنَّه إيَّاي يريد، قلتُ: أنا، قال لي: أنتَ لله أبوك، قال: قلت: ((تُعرضُ الفِتنُ على القُلُوب عَرض الحصير، فأيُّ قلبٍ أَنكرها نُكتَت فيه نُكتةٌ بيضاءُ، وأيُّ قلبٍ أُشرِبها نُكتَت فيه نُكتةٌ سوداءُ، حتَّى يصير القلبُ على قلبين؛ أبيض مثل الصَّفا، لا تضُرُّه فتنةٌ ما دامت السَّماواتُ والأرضُ، والآخر أسود مُربدٍّ كالكُوز مُجخِّيًا - وأمال كفَّه - لا يعرفُ معرُوفًا، ولا يُنكرُ مُنكرًا، إلاَّ ما أُشرب من هواه))[9].

وصدق اللهُ إذ يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 177].

والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.

المصادر:


[1] د. محمد عبدالله دراز: "الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان"، دار القلم، بدون تاريخ نشر، ص 87.
[2] نخبة من العلماء الأمريكيين "الله يتجلى في عصر العلم"، ترجمة: الدكتور الدمرداش عبدالمجيد سرحان، دار القلم، بيروت - لبنان، ص 41.
[3] سيد قطب "معالم في الطريق"، دار الشروق، الطبعة السادسة، 1399 هـ = 1979م - ص: 159، 160.
[4] ابن القيم الجوزية: "مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة"، جـ1، ص 140.
[5] ضعَّفه الألبانيُّ في ضعيف الجامع الصغير برقم 4148.
[6] رواه أحمد بإسناد حسن، رقم: 20430.
[7] رواه مسلم (باب ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا - 56).
[8] رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب (3491)، وضعَّفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته، برقم: 1172.
[9] رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح، رقم: 23280.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كان د. هشام عزمي أثنى على هذا المقال:
https://www.facebook.com/Heshamicrate/posts/692695764154150

بحث في الموقع :

تابعنا :


الأسئلة:

قناة التلجرام

مشاركة مميزة

معاشر المحبين، الحب دين!

اقرأ المقال على شبكة الألوكة   لا نجد في قاموس البشرية كلمةً أجمَعَ الناس عليها غير هذه الكلمة   (الحب)؛ فهي كلمة تشتاق لها القلوب، ...

المشاركات الشائعة

منصة بصيرة للتعليم الشرعي المفتوح